الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من فوائد الألوسي: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ} عطف إما على {الأمر} أو على {شَئ} بإضمار أن أي ليس لك من أمرهم شيء أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم شيء، أو ليس لك من أمرهم شيء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم، وفرقوا بين الوجهين بأنه على الأول: سلب ما يتبع التوبة والتعذيب منه صلى الله عليه وسلم بالكلية من القبول والرد والخلاص من العذاب والمنع من النجاة. وعلى الثاني: سلب نفس التوبة والتعذيب منه عليه الصلاة والسلام يعني لا يقدر أن يجبرهم على التوبة ولا يمنعهم عنها ولا يقدر أن يعذبهم ولا أن يعفو عنهم فإن الأمور كلها بيد الله تعالى، وعلى التقديرين هو من عطف الخاص على العام كما قال العلامة الثاني لكن في مجيء مثل هذا العطف بكلمة {أَوْ} نظر، وتعقبه بعضهم بأن هذا إذا كان الأمر بمعنى الشأن ولك أن تجعله بمعنى التكليف والإيجاب أي ليس ما تأمرهم به من عندك وليس الأمر بيدك ولا التوبة ولا التعذيب فليس هناك عطف الخاص على العام، وفيه أن الحمل على التكليف تكلف، والحمل على الشأن أرفع شأنًا. ونقل عن الفراء وابن الأنباري أن {أَوْ} بمعنى إلا أن، والمعنى ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله تعالى عليهم بالإسلام فتفرح أو يعذبهم فتشتفي بهم وأيًا مّا كان فالجملة كلام مستأنف سيق لبيان بعض الأمور المتعلقة بغزوة أحد أو ما يشبهها إثر بيان ما يتعلق بغزوة بدر لما بينهما من التناسب من حيث إن كلًا منهما مبني على اختصاص الأمر كله بالله تعالى ومبني على سلبه عمن سواه، وقيل: إن كل ما في هذه الآيات في غزوة أحد على ما أشرنا إليه، وقيل: إن قوله تعالى: {أَوْ يَتُوبَ} الخ عطف على {فَيَنقَلِبُواْ} [آل عمران: 127] أي يكون ثمرة خزيهم انقلابهم خائبين أو التوب عليهم أو تعذيبهم، أو عطف على {يَكْبِتَهُمْ} [آل عمران: 127] و{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَئ} اعتراض وسط بين المعطوف عليه المتعلق بالعاجل والمعطوف المتعلق بالآجل لتحقيق أن لا تأثير للمنصورين إثر بيان أن لا تأثير للناصرين وتخصيص النفي برسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق تلوين الخطاب للدلالة على الانتفاء من غيره من باب أولى وإنما خص الاعتراض بموقعه لأن ما قبله من القطع والكبت من مظان أن يكون فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولسائر مباشري القتال مدخل في الجملة، والمعنى إن مالك أمرهم على الإطلاق وهو الله تعالى نصركم عليهم ليهلكهم أو يكبتهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا، وليس لك من أمرهم شيء إن أنت إلا عبد مأمور بإنذارهم وجهادهم. والمراد بتعذيبهم التعذيب الشديد الأخروي المخصوص بأشد الكفرة كفرًا وإلا فمطلق التعذيب الأخروي متحقق في الفريقين الأولين وحمله على التعذيب الدنيوي بالأسر واستيلاء المؤمنين عليهم خلاف المتبادر من التعذيب عند الإطلاق وكذا لا يلائم ظاهر قوله سبحانه: {فَإِنَّهُمْ ظالمون} فإنه في مقام التعليل لهذا التعذيب وأكثر ما يعلل به التعذيب الأخروي، نعم حمله على التعذيب الدنيوي أوفق بالمعنى الذي ذكره الفراء وابن الأنباري لأن التشفي في الغالب إنما يكون في الدنيا ونظم التوبة والتعذيب الأخروي في سلك العلة الغائية للنصر المترتبة عليه في الوجود من حيث إن قبول توبتهم فرع تحققها الناشئ من علمهم بحقية الإسلام بسبب غلبة أهله المترتبة على النصر الذي هو من الآيات الغر المحجلة وأن تعذيبهم المذكور شيء مسبب على إصرارهم على الكفر بعد تبين الحق على الوجه المذكور كما ينبئ عن ذلك قوله تعالى: {لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ ويحيى مَنْ حَىَّ عَن بَيّنَةٍ} [الأنفال: 42] وإن فسر بالأسر مثلًا كان أمر التسبب مكشوفًا لا مرية فيه، واستشكلت هذه الآية بناءًا على أنها تدل على ما في بعض الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم كان فعل فعلًا ومنع منه بأنه إن كان ذلك الفعل من الله تعالى فكيف منعه منه وإن لم يكن فهو قادح بالعصمة ومناف لقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} [النجم: 3]، وأجيب بأن ما وقع كان من باب خلاف الأولى نظرًا إلى منصبه صلى الله عليه وسلم، والنهي المفهوم من الكلام من باب الإرشاد إلى اختيار الأفضل ولا يعد ذلك من الهوى في شيء بناءًا على القول بأنه يصح للنبي أن يجتهد ويعمل بما أدى إليه اجتهاده المأذون به. وجوز أن يكون ذلك الفعل نفسه عن وحي وإذن من الله تعالى له صلى الله عليه وسلم به وأن النهي عن ذلك كان نسخًا لذلك الإذن وأيًا مّا كأن لا ينافي العصمة الثابتة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام فافهم. اهـ. .من فوائد البيضاوي: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْء} اعتراض. {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ} عطف على قوله أو يكبتهم، والمعنى أن الله مالك أمرهم فإما أن يهلكهم أو يكبتهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا وليس لك من أمرهم شيء، وإنما أنت عبد مأمور لإِنذارهم وجهادهم. ويحتمل أن يكون معطوفًا على الأمر أو شيء بإضمار أن، أي ليس لك من أمرهم أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم شيء. أو ليس لك من أمرهم شيء، أو التوبة عليهم أو تعذيبهم. وأن تكون أو بمعنى إلا أن. أي ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتسر به أو يعذبهم فتشفي منهم. روي (أن عتبة بن أبي وقاص شجهُ يوم أحد وكسر رباعيته، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم» فنزلت. وقيل هم أن يدعوا عليهم فنهاه الله لعلمه بأن فيهم من يؤمن. {فَإِنَّهُمْ ظالمون} قد استحقوا التعذيب بظلمهم. اهـ. .من فوائد الشعراوي: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. أي ليس لك يا محمد من الأمر شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتفرح بتوبتهم، إو يعذبهم، فلا يحزنك ذلك لأنهم ظالمون أي ما عليك يا محمد إلاّ البلاغ فقط. أما هم فقد ظلموا أنفسهم بالكفر. والظلم كما نعرف هو أخذ الحق من ذي الحق وإعطاؤه لغيره. وقمة الظلم هو إضفاء صفة الألوهية على غير الله، وهو الشرك. ولذلك يقول الحق: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. إن الحق يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]. وهذه مسألة لم تخرج عن ملك الله، لماذا؟ لأن السماوات والأرض وما فيهن ملك لله: قيل أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم- بعد أن خضّب المشركون وجهه بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم- أراد عليه الصلاة والسلام أن يدعو عليهم فنهاه الله لعلمه سبحانه أن فيهم من يؤمن وأنزل قوله تعالى: {وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. اهـ. .تفسير الآية رقم (129): .مناسبة الآية لما قبلها: ولما كان التقدير: بل الأمر له سبحانه وحده عطف عليه قوله- مبينًا لقدرته على ما قدم من فعله بهم على وجه أعم-: {ولله} أي الملك الأعظم وحده {ما في السماوات} أي كلها على عظمها من عاقل وغيره، وعبر بـ {ما} لأن غير العاقل أكثر وهي به أجدر {وما في الأرض} كذلك مِلكًا ومُلكًا فهو يفعل في مِلكه ومُلكه ما يشاء، وفي التعبير بـ {ما} أيضا إشارة إلى أن الكفرة الذين السياق لهم في عداد ما لا يعقل. ولما كانت الأقسام كلها راجعة إلى قسمين: عافية وعذاب، قال- مترجمًا لذلك مقررًا لقوله: {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128]: {يغفر لمن يشاء} أي منهم ومن غيرهم فيعطيه ما يشاء من خيري الدنيا والآخرة ويغنيه عن الربا وغيره {ويعذب من يشاء} بالمنع عما يريد من خيري الدارين، لا اعتراض عليه، فلو عذب الطائع ونعّم العاصي لحسن منه ذلك، ولا يقبح منه شيء، ولا اعتراض بوجه عليه، هذا مدلول الآية وهو لا يقتضي أنه يفعل أو لا يفعل. ولما كان صلى الله عليه وسلم لشدة غيظه عليهم في الله جديرًا بالانتقام منهم بدعاء أو غيره أشار له سبحانه إلى العفو للحث على التخلق بأخلاق الله الذي سبقت رحمته غضبه بقوله: {والله} أي المختص بالجلال والإكرام {غفور رحيم} أي محاء للذنوب عينًا وأثرًا، مكرم بعد ذلك بأنواع الإكرام، فانطبق ذلك على أيضاح {ليس لك} [آل عمران: 128] وإفهامه الموجب لاعتقاد أن يكون له سبحانه وتعالى الأمر وحده. ولما أنزل عليه ذلك وما في آخر النحل مما للصابرين والعافين حرم المثلة واشتد نهيه صلى الله عليه وسلم عنها، فكأن لا يخطب خطبة إلا منع منها. اهـ. .من أقوال المفسرين: .قال الفخر: .قال الألوسي: .قال الفخر: .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء}: .قال السمرقندي: .قال أبو حيان: إذ يغفر تعالى لمن يشاء من تائب وغير تائب، ما عدا ما استثناه تعالى من الشرك. وقال الزمخشري ما نصه عن الحسن رحمه الله: يغفر لمن يشاء بالتوبة، ولا يشاء أن يغفر إلا للتائبين. ويعذب من يشاء، ولا يشاء أن يعذب إلا المستوجبين للعذاب. وعن عطاء: يغفر لمن يتوب إليه، ويعذب من لقيه ظالمًا وأتباعه قوله: {أو يتوب عليهم أو يعذبهم} فإنهم ظالمون، تفسير بين لمن يشاء، فإنهم المتوب عليهم أو الظالمون. ولكن أهل الأهواء والبدع يتصامون ويتعامون عن آيات الله تعالى، فيخبطون خبط عشواء، ويطيبون أنفسهم بما يفترون. عن ابن عباس من قولهم: يهب الذنب الكبير لمن يشاء، ويعذب من يشاء على الذنب الصغير. انتهى كلامه. وهو مذهب المعتزلة. وذلك أن من مات مصرًا على كبيرة لا يغفر الله له. وما ذكره عن الحسن لا يصح ألبتّة. ومذهب أهل السنة؛ أنّ الله تعالى يغفر لمن يشاء وإنْ مات مصرًّا على كبيرة غير تائب منها. اهـ. .قال الطبري: .قال الفخر: .من لطائف وفوائد المفسرين: قال رحمه الله: وظاهر الآية يدل على أن مغفرة الله تعالى وتعذيبه غير مقيدين بشيء بل قد يدّعي أن التقييد مناف للسوق إذ هو لإثبات أنه سبحانه المالك على الإطلاق فله أن يفعل ما يشاء لا مانع له من مشيئته ولو كانت مغفرته مقيدة بالتوبة وتعذيبه بالظلم لم يكن فاعلًا لما يشاء بل لما تستدعيه التوبة أو الظلم، فالآية ظاهرة في نفي الوجوب على الله تعالى وأنه يجوز أن يغفر سبحانه للمذنب ويعذب المصلح وهو مذهب الجماعة وذهب المعتزلة إلى أن المغفرة مشروطة بالتوبة فمن لم يتب لا يجوز أن يغفر له أصلًا، وتمسكوا في ذلك بوجهين: الأول: الآيات والأحاديث الناطقة بوعيد العصاة، الثاني: أن المذنب إذا علم أنه لا يعاقب على ذنبه كان ذلك تقريرًا له وإغراءًا للغير عليه وهذا ينافي حكمة إرسال الرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم، وحملوا هذه الآية على التقييد وخصوا أمثالها من المطلقات بالصغائر أو الكبائر المقرونة بالتوبة، وقالوا: إن المراد يغفر لمن يشاء إذا تاب وجعلوا القرينة على ذلك أنه تعالى عقب قوله سبحانه: {أَوْ يُعَذّبَهُمْ} [آل عمران: 128] بقوله جل شأنه: {فَإِنَّهُمْ ظالمون} [آل عمران: 128] وهو دليل على أن الظلم هو السبب الموجب فلا تعذيب بدونه ولا مغفرة مع وجوده فهو مفسر {لِمَن يَشَاء} وأيدوا كون المراد ذلك بما روي عن الحسن في الآية: {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء} بالتوبة ولا يشاء أن يغفر إلا للتائبين {وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء} ولا يشاء أن يعذب إلا للمستوجبين، وبما روي عن عطاء {يَغْفِرُ لِمَن} يتوب عليه {وَيُعَذّبُ مَن} لقيه ظالمًا؛ والجماعة تمسكوا بإطلاق الآيات، وأجابوا عن متمسك المخالف، أما عن الأول: فبأن تلك الآيات والأحاديث على تقدير عمومها إنما تدل على الوقوع دون الوجوب، والنزاع فيه على أن كثرة النصوص في العفو تخصص المذنب المغفور عن عمومات الوعيد، وأما عن الثاني: فبأن مجرد جواز العفو لا يوجب ظن عدم العقاب فضلًا عن الجزم به، وكيف يوجب جواز العفو العلم بعدم العقاب والعمومات الواردة في الوعيد المقرونة بغاية من التهديد ترجح جانب الوقوع بالنسبة إلى كل واحد وكفى به زاجرًا فكيف يكون العلم بجواز العفو تقريرًا وإغراءًا على الذنب مع هذا الزاجر.
|